باحث يؤكد أن الثعلب كائن مفكر ويصطاد بدافع الرياضة إلى جانب الجوع

الخميس، 11 نوفمبر 2010

يترافق اسم الثعلب دائماً بصفات المكر والخداع، كما أُسبِغَت صفة الشر على القصص والأساطير التي تدور حوله في مختلف أرجاء المعمورة، ففي الغرب تسببت رائحة الثعلب الكريهة والنافذة وعادته في إخفاء أثره بأن يلقب بقوة الشر، وفي آسيا هناك اعتقاد بأن للثعلب قدرات على تغيير مظهره بسبب قدرة الثعالب الكبيرة على المراوغة.
يقول مارتن والن مؤلف كتاب "الثعلب" إن الثعالب حافظت على صيتها كمخلوقات غامضة ورائعة الجمال، ويبحث والن عبر صفحات مؤلفه في كيفية النظر إلى الثعالب بوصفها مصدراً للإعجاب والتقدير من جهة، ومحطة ازدراء من جهة أخرى، على حد سواء، ويسلط الضوء بشكل مواز على عمليات صيد الثعالب بالاشراك وصناعة تربية الثعالب وتنشئتها بهدف الاستفادة من فرائها في صناعة الأزياء، عازياً انتشار هذه الممارسات إلى المواقف الخجولة لبعض بني البشر.
مصطلحات كلاسيكية
يوضح والن، أن التسميات العلمية الحديثة للثعلب بأصنافه الحادية والعشرين وأجناسه الثمانية تعتمد على المصطلحات الكلاسيكية التي تشير إليه كمخلوق ناقص ومزيف وغامض أو ببساطة كمخلوق سيىء.
كمثال على هذا يأتي ثعلب أميركا الجنوبية ذو الأذنين الصغيرتين باسمه اليوناني atelocynusmicratis الذي يمكن ترجمته إلى (كلب ناقص بأذنين صغيرتين) ومثال آخر هو ثعلب culpeo الذي يتأصل اسمه من كملة culpability التي تعني "الملامة أو الذنب".
وتعود هذه التسميات والتصنيفات المذمة إلى ميل الثعلب دوماً للإخلال بالنظام السائد والنظرية التقليدية إليه ككائن خبيث وشرير.
ويذكر المؤلف أنه هُناك محاولات ونظريات عديدة استخدمها علماء الطبيعة لتعريف الثعلب وتصنيفه، وأول من قام بذلك قديماً هو أرسطو صاحب أول محاولة غريبة لتصنيف الطبيعة ومخلوقاتها.
ووفقاً لأحد مبادئ تصنيفات أرسطو والذي يعتمد على النظر إلى سلوك الحيوانات، صنف أرسطو الثعلب ضمن المراتب السفلى، حيث جاء بعد كل من "الذئب المتوحش" و"الكلب المحب" ليشير إلى الثعلب كحيوان خبيث ودنيء، واستخدم أرسطو الكلمة الإغريقية panourgos ليصف خبث الثعلب، والتي تدل على كل من يختبئ بطريقة مراوغة أي أن خبث الثعلب، تبعاً لنظرية أرسطو، ينبع من عادته في الاختباء حيث لا يمكن للبحث الميداني الوصول إليه، فهو يتكون من الأرض، ويعيش في الأرض، مختفياً في ثنايا ظلمتها وفي ماديتها الباردة بعيداً عن متناول الدراسة الميدانية.
رد اعتبار
بعد نحو ألف وخمسمئة عام من النظرية الأرسطية التي هيمنت على نظرة علماء الطبيعة والفلاسفة إلى التغلب، أعاد الكونت بوفون للثعلب بعضاً من اعتباره وذلك في كتابه "التاريخ الطبيعي بعمومياته وحيثياته"، الذي ظهرت أول ترجمة له في عام 1780، وتبعاً لهذا وصف بوفون الثعلب كما لو كان يقارن بين الطبقات الاجتماعية المختلفة هو ما يظهر عبر قوله"
يشتهر الثعلب بذكائه، وهو يستحق هذه السمعة التي اكتسبها، وما يقوم به الذئب مستخدماً القوة البحتة، يقوم به الثعلب بحذاقة، ليحقق في كثير من الأحيان، نجاحاً أكبر من الذئب... وهو يعتمد على الذكاء أكثر من الحركة، ويتحفظ بموارده كلها داخل نفسه، ولأنه حاد الذهن ومتأن، وذكي وحكيم، يقوم الثعلب بتنويع سلوكه محتفظاً دائماً ببعض الحيل للظروف الطارئة".
كما يلفت الكاتب إلى ما تحدث به بوفون عن عادة الثعلب بالإمساك بفريسته دون أكلها، لتدعم هذه الملاحظة نظريته بأن الثعلب هو كائن مفكر، ولتشير بأن الثعالب لا تصطاد فقط بدافع الجوع، كما تفعل الذئاب، بل أيضاً للمتعة؛ كما لو كان الصيد رياضة من الرياضات.
وبالحديث عن التاريخ الجيولوجي للثعلب يبين المؤلف أن هذا التاريخ يتوافق مع التغيرات الجوية والبيئية، ولذا ركز العلماء بشكل كبير على مقدرة هذا الكائن على التكيف وعلى كيفية تطور الفصائل المختلفة عند انتقالها لبيئات جديدة.
وأيضاً يشير هذا التاريخ الجيولوجي إلى أن انتشار الثعالب الحمراء توافق مع انتشار الجليد في الحقبة البليستوسينية، وإلى أن ظهور الفصائل الأخرى يتوافق مع تراجع الجليد ومع الأحداث الجيولوجية التي أدت إلى اتصال كتل أرضية مع بعضها بعضاً، وانعزال بعضها الآخر.
الثعلب الرمادي
من المحتمل أن "سلف" ثعلب أميركا الشمالية الرمادي هو أقدم الثعالب في الوجود، يعود إلى 3.5 مليون سنة مضت، وتظهر الأبحاث بأن هذا الصنف كان أكبر حجماً من الثعلب الرمادي الحالي، وذا جمجمة أكثر دقة، ومن المرجح أن هذه الثعالب قد عاشت في بيئات لا تختلف عن البيئات التي يعيش فيها خليفتها، متنوعة بين السهول الجافة والأحراش والغابات، بينما اكتشفت أحافير الثعلب الرمادي الحالي في جنوب الولايات المتحدة الأميركية فقط، ليتوقف ظهورها عند بنسلفانيا، ولم يتجاوز عمرها 1.5 مليون سنة.
وفي سياق مغاير يتحدث المؤلف عن الثعلب في الأساطير والحكايات الفولكلورية والمجازات، مؤكداً على أنه بالرغم من إدعاءاته الموضوعية لم يتمكن التاريخ الطبيعي من التخلي عن انحيازه الثقافي الذي نظر إلى الثعلب كلص ماكر وخبيث، ويتجسد هذا الانحياز الغربي في تاريخ طويل من الحكايات الشعبية والفولكلورية، وكذا الأعمال الفنية التي صورت الثعلب ضمن هذه المصطلحات.
قصص وأساطير
لقد أورد المؤلف عديداً من القصص والأساطير القديمة التي تكشف عن الرؤى المتعددة للثعلب في أساطير الشعوب المختلفة، نأخذ منها ما ورد في الحكايات اليونانية في عهد الإغريق حيث ظهر الثعلب بهيئتين رئيسيتين، أولها، وهي الأقدم والأكثر ادهاشاً نبعت من أساطير وحضارات سبقت الإغريقية، وظهر الثعلب فيها علىَ هيئة ثعلبة (تيوميسان) التي اضطهدت سكان طيبة واعتادت هذه الثعلبة العملاقة ابنة تايفوس على ترصد الطريق الرئيسة المؤدية إلى طيبة لتلتهم صغار المدينة، وعندما اضطر البطل أمفيتريون إلى الهرب من موطنه، استقبله سكان طيبة بالترحيب أملاً في مساعدتهم للتخلص من الثعلبة، ولأن قدر الثعلبة هو بأن لا تمسك أبداً، قام مفيتريون بإحضار كلب "ليلابس" المقدر له الامساك بكل طرائده من سيفالوس.. وفي هذه الأسطورة، قام زيوس (كبير الآلهة)، بحل معضلة هذين القدرين المتضاربين بتحويل الوحشين إلى أحجار أصبحت بمثابة معالم طبوغرافية ونصوب تذكارية لتاريخ طيبة العرقي.
ويتطرق المؤلف الى الحديث عن الثعلب لغوياً، لافتاً الى أن كلمة (ثعلب) تشير الى نطاق واسع من السلوكيات والمظاهر، وكذلك الى معانٍ ودلالات دينية وأسطورية، ولا ينطبق هذا على اللغات الأوروبية فقط، بل يظهر بشكل صريح في اللغة اليابانية أيضاً، حيث يحمل الثعلب الروحي العديد من الأسماء.
وتدل هذه الأسماء كلها على الاختلافات المحلية التي يمكن لرمز الثعلب الروحي الأساسي أن يعكسها بين سكان المناطق المختلفة، وتؤثر هذه الدلالات على الطريقة التي يفهم الناس بها الأشياء الأخرى في عالمهم لتُظهر المرونة التي تحملها كلمة "ثعلب" في الحياة وفي الحديث اليومي.
هنا يوضح والن أن اليابان هيمن عليها الخوف من سيطرة الثعلب على الإنسان لدرجة إنشاء تقاليد اجتماعية هدفها الوحيد هو تأكيد كل إنسان إنسانيته للآخرين، وهو ما انعكس على بعض أساليبهم اللغوية.
عالم النبات
يذكر الكاتب أيضاً أن أشد التقاليد تطوراً حول الثعلب دارت في اليابان وفي أوروبا المسيحية، حيث استخدمت هاتان الثقافتان الحيوان ليرمز الى حيوانات وأغراض وأفعال أخرى، ويتضح بأن الثعلب قد استخدم لغوياً بطريقة مشابهة في كلا الحضارتين، وذلك كمرجع يعود الى طباع ثعلبية معينة يمكن رؤيتها في غير الثعلب.
ويجدر هنا الإشارة الى أن الثعلب الأحمر هو الذي هيمن على فكرة الأوروبيين والآسيويين على حد سواء بسبب انتشاره الكبير، حتى أن كلمة "ثعلب" تطلق عادة على حيوان آخر عند امتلاك هذه الحيوان لشبه جسدي مع الثعلب الأحمر. وغالباً ما يكون هذا في الوجه.
وعن علاقة "الثعلب" بعالم النبات يبين الكاتب أنه في بريطانيا وأميركا هناك نباتات تم ربطها أو تسميتها بالثعلب بسبب طعمها غير المستساغ إلا للألسنة الجلفة مثل نبات (عنب الثعلب) Fox Grope.
كما يعرج الكاتب الى اسم ثعلب (Fox) الذي لُقبت به عدد من العائلات الأوروبية، حيث أفاد أن أحد الأسلاف والذي يحمل اسم (فوكس) قد اشتهر بالذكاء الحاد الذي مكنه من النصر على أعدائه في المعارك بخسائر قليلة، وهو ما يمكن فهمه لدينا عندما نعلم أن القائد العسكري الإنجليزي مونتجمري عندما قام بأروع انسحاب عسكري في التاريخ إبان الحرب العالمية الثانية أُسبغ عليه لقب "ثعلب الصحراء".
عصر الصيد الذهبي
بالنسبة لصيد الثعالب، وهي الهواية المنتشرة في أنحاء شتى من العالم، يؤكد المؤلف على أن عصرها الذهبي بدأ في عام 1753، حيث يقول المؤلف في هذا العام ظهر هوجومينيل الذي أصبح رئيس أكثر حملات الصيد أهمية، وهي حملة كورت التي كانت في ذلك العام، بينما اعتبر عام 1914 العام الذي بدأت فيه الحرب العالمية الأولى، نهاية هذا العصر العظيم بسبب فقدان صيد الثعالب للمنزلة المهمة التي احتلتها في منتصف القرن التاسع عشر.
واليوم أصبح صيد الثعالب مثار للجدل، له مؤيدوه وله معارضوه، مما قد يكون أحد الأعراض التي قد تدل على منعطف جديد في التاريخ الثقافي البرطاني، وفي غيرها من البلدان مثل شمال أميركا التي لا يختلف الجدل فيها في حدته عن بريطانيا.
يقول الكاتب إنه قد تم اصطياد الثعالب داخل الجزر البريطانية قبل عام 1753 بزمن طويل، كما تم اصطيادها خارج بريطانيا في فيرجينيا، أسس جورج واشنطن مجموعته الخاصة من كلاب الصيد في عام 1767، بينما مارس الصيد كرياضة لعدة سنوات قبل ذلك. وانتشرت حملات الصيد في جميع أنحاء أميركا، على الرغم من أن الأحراش التي سكن فيها الثعلب الرمادي، لم تسمح بالحملات الطويلة والسريعة التي ميزت الصيد الإنجليزي. ولكن، مع انتشار الثعالب الحمراء في الولايات المتحدة، بدأت حملات الصيد هناك تقترب من الأسلوب الإنجليزي أكثر فأكثر، لتستمر على هذا النسق حتى يومنا هذا. بدأ الأستراليون بجلب الثعالب في عام 1845 لملء ذلك الفراغ في حياتهم الاجتماعية، ولكن على ما يبدو أنهم أهملوا الإمساك بطريدتهم، لذلك تم إصدار مكافأة لصيد الثعالب في عام 1893، في محاولة يائسة لمنع المفترس الجديد من تدمير الحياة الحيوانية الأصيلة.
وشهدت أواخر القرن الثامن عشر تحول صيد الثعالب في انجلترا الى الرياضة التي يتخيلها الناس الآن، كما قرأوا أو سمعوا عن كلاب الصيد التي تم تناسلها خصيصاً لمطاردة الثعالب، وهي تركض عبر الطبيعة التي تم تصويرها، من السهول المفتوحة والأحراش القصيرة، بينما يمتطي أشخاص خيولهم وهم في كامل أناقتهم خلف كلابهم عريقة النسل.
قيمة تجارية
أما عن الثعلب تجارياً فقد أشار المؤلف الى أنه في الوقت الذي اختفى فيه الثعلب خلف ستار الطقوس الاجتماعية لصيد الثعالب الإنجليزية، بدأ باكتساب قيمة تجارية لم يحصل عليها من قبل، حيث أصبح يحمل قيمة اقتصادية إيجابية لأول مرة في تاريخه واكتسب فروه قيمة تجارية. وفي ذات الوقت لم تتغير الدلالات التي ارتبطت بالثعلب وسادت لمدة طويلة، بل تم استغلالها في الحملات الدعائية لمنتجات مختلفة في القرن العشرين.
وعلى الرغم من أن اعتبار بعض أصناف الثعالب جزءاً من الحمية الغذائية عند البعض، وبيعت كحيوانات أليفة، إلا أن الثعلب قاوم التحضر وبقي خارج الثقافة البشرية، وما زالت قيمته الاقتصادية تعكس الانحياز الذي لوّن القصص التي نتبادلها والصفات التي ننعت بها الناس وسلوكياتهم، وقد أثير جدلاً كثيراً حول تجارة الثعالب المقفصة منذ أيامها الأولى، لأن الثعلب المستورد من الخارج لم يستطيع في أحيان كثيرة أن يوفر مطاردة ممتعة بسبب جهله بأراضي الصيد التي وجد نفسه فيها على حين غفلة، مطارداً من قبل كلاب مدربة وحانقة.. وعبر قراءة صفحات الكتاب نكتشف الكثير عن عالم الثعالب، الذي لم نعرف عنه دوماً سوى أقل القليل نتيجة الصورة المترتبة لدى الكثيرين عن هذا الحيوان وارتباطه بأكثر الصفات قبحاً، وهو ما قد نعيد النظر فيه عقب الانتهاء من قراءة هذا الكتاب.
موت محتوم
في العقود الأولى من القرن التاسع عشر، أصبحت الإبادة العنيفة للثعالب رمزاً يجسد حق النبلاء بالانغماس في رغباتهم بأسلوب فظ وفاسق، دون تعرضهم لأي مساءلة. وساد الأسلوب المتعسف بين فئة الرجال الأغنياء والمقامرين من أمثال جورج أوبالديستون وجون مايتون الذين اشتهروا بعاداتهم الكحولية السيئة وأسلوب كلامهم الفظ وسلوكهم العنيف، والذين اعتبروا صيد الثعالب كمطاردة صعبة تؤدي الى الموت المحتوم.
براءة وغرابة
في القرن الثامن عشر، أشار ارتداء الأغنياء للفرو الى كثرة أسفارهم، ولكن الفرو لم يستعمل إلا نادراً في الجهة الخارجية من الملابس في أوروبا الغربية، ليظهر في معظم الحالات كبطانات للشالات والمعاطف، وكحواف تزينية شائعة، واستخدم محبو الموضة الفرو لخلق أسلوب يخلط بين التعقيد والغرابة في ملابسهم، مانحاً إياهم مظهراً جذاباً، وبشكل مشابه لبورتريه سارة سيدونس، ظهرت إليزا فارين في لوحتها وهي مرتدية لمعطف وموفة من الفرو بلون يتباين مع لون شعرها. والخلفية الدرامية للوحة هذه الممثلة الشهيرة، زادت من ذلك الشعور الذي دلّ على أن هذه المرأة ذات الفراء قادرة على امتلاك عاطفة هياجة

0 التعليقات على باحث يؤكد أن الثعلب كائن مفكر ويصطاد بدافع الرياضة إلى جانب الجوع

إرسال تعليق

2010 الحياة البرية وحمايتها

Design by Money Saving Tips | Blogger Templates by Blogger Template Place | تعريب و تطوير : حسن